Pages

January 26, 2015

هذا هو الفرق

أنيس الباشا






ربما يظن البعض أن أوروبا كلها تتشابه وأنها عبارة عن مجموعة دول جميلة متقدمة لا تعاني من المشاكل أو المتاعب.. نعم تقريبا كل بلدان أوروبا جميلة من حيث الطبيعة والأماكن السياحية والمناظر الخلابة، لكن هناك تفاوت كبير بين هذه البلدان، فكما أن هناك دولاً قطعت شوطا كبيرا في مجال التنمية والرفاهية الاجتماعية وعدالة توزيع الثروة، هناك في المقابل دول أوروبية تعاني من الفساد والبيروقراطية وسوء توزيع الثروة والبطالة..الخ، بل ربما لا يصدق البعض أن هناك دولاً أوروبية تعاني من تدني في مستوى الوعي والثقافة وحرية الصحافة!

لكن في البلدان الأوروبية التي زرتها كانت هناك دائما نقطة تثير اهتمامي وتلفت انتباهي وتستدعي إعجابي وانبهاري.. ففيما يخص الخدمات العامة سواء ما يتعلق بالكهرباء أو المياه أو وسائل المواصلات وسائر البنى التحتية، لا تجد أبدا من يفكر مجرد التفكير في تخريب أو تدمير هذه الأشياء لحساب أي طرف أو لتحقيق أي هدف!


خطوط السكك الحديدية وألياف وأعمدة نقل الطاقة تمتد لمئات وآلاف الكيلومترات والجسور بمختلف أنواعها تربط الجزر والأراضي ولا تسمع أبدا عن مجنون أو جماعة قامت بتكسير قضبان سكة الحديد أو رمي "خبطة" على أبراج الكهرباء أو نسف أحد الجسور..

الناس في مختلف هذه البلدان ومهما تباين مستوى الوعي لديها تعرف وتدرك جيدا حقيقة بسيطة هي أن كل هذه الخدمات هي منهم ولهم وأنه لا أحد يتضرر من تعطيلها وتخريبها إلا الناس أنفسهم..

كم نحتاج من الوقت حتى نفهم نحن هذه الحقيقة ونتوقف عن التفكير بطريقة إننا نخرب "الكهرباء والبترول حق الدولة" مش حقنا إحنا؟؟


January 25, 2015

!الحجاب في الضمير الغربي...تقديس و إزدراء


رشــا المقالح



وقفت ذات مرة في موقف الباص بانتظار وصوله، و كانت هناك سيدة إيطالية في انتظار الباص أيضا. بدأنا حديثا عفويا عن موعد وصول الباص، و تطرقنا بعدها لمواضيع أخرى، ثم قالت لي فجأة و هي تشير إلى حجابي:" انزعي هذا الحجاب! ليس جيدا!" ابتسمت لها و قلت: "لماذا؟ أنا أرتديه كما فعلت السيدة مريم!" بدا على السيدة الحرج و الإرتباك و رددت بدهشة:" لا مادونا!" و هي كلمة تعني بالإيطالية السيدة مريم، ثم التزمت بعد ذلك الصمت حتى جاء الباص!
تمثال القديسة كاتيرينا دا سيينا،حدائق فيلا بورجيزي-روما
ربما تشعر كثير من المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب في الغرب بالحرج ،و ربما الدونية أيضا.  و ربما ساهم في ذلك الشعور الحملات الإعلامية التي تهدف إلى تشويه صورة الإسلام في الغرب لأسباب مختلفة. أثناء تجوالي في أوربا، و خاصة في إيطاليا مهد الكاثوليكية، لاحظت تماثيل و صور للسيدة مريم و لكثير من القديسات بالحجاب الكامل، و جميعهن يحظين بكامل التقدير و الإحترام. فلماذا يكون الحجاب هنا محل احترام و تقديس، بينما عندما ترتديه المسلمات يصبح علامة اضطهاد و تخلف؟

القديسة جوليانا فالكونييري،كاتدرائية القديس بطرس-الفاتيكان


إذا فشل العقل الغربي في احترام حجاب المرأة المسلمة، فيمكنه على الأقل أن ينظر إلى ذلك الحجاب كقطعة من الملابس، مثلها مثل القميص بأكمام أو بدون أكمام، أو الفستان الطويل أو القصير، وبناء على ذلك عليه أن يحترم حرية كل فرد في اختيار ملابسه. فكل شخص يقرر ما يريد أن يرتديه . و كما يحق للفتاة أن تلف الشال حول رقبتها فمن حق فتاة أخرى أن تلف الشال حول رأسها.  







مهرجانات إثارة الاشمئزاز

رشــا المقالح




هل تساءلتم في يوم من الأيام عن سبب انتشار صورة مشوهة في الغرب عن المسلمين بشكل عام و العرب بشكل خاص ؟!و لماذا مهما فعلنا لا نستطيع تغيير الصورة النمطية التي يرسمها لنا الإعلام الغربي؟!


جزء كبير من الإجابة نجده في الانتاج السينمائي العربي و خاصة  الأفلام العربية المشاركة في المهرجانات السينمائية الغربية. على سبيل المثال في مهرجان مالمو للأفلام العربية للعام 2013 فوجئنا بعدد لا بأس به من الأفلام العربية التي تتنافس لاجتذاب المشاهد الغربي و إثارة اشمئزازه و ذلك عن طريق حبكات و إن كانت مختلفة عن بعضها البعض إلا أنها تتشابه جميعها في إضافة البهارات المعتادة و التي تثبت للمشاهد الغربي أن المواطن العربي العادي إنما هو انسان متطرف...معقد....قاس! 


إليكم لمحة بسيطة عن بعض الأفلام العربية المشاركة في ذلك المهرجان:


- فيلم جزائري يحكي قصة أم ذهبت لتدفن في الخفاء ابنها الذي قتله ابنها الآخر، المتطرف الإسلامي!

- فيلم مغربي يحكي قصة ثلاثة شباب متطرفين يقومون باختطاف ممثلين!

- فيلم مصري عن طفل اسمه يوسف لم يتمكن من مشاهدة مباريات كأس العالم و ذلك لأن أهله منعوه      من فتح التلفاز بسبب موت عمته و هذا ما تقتضيه تقاليد العزاء!

- وهناك فيلم لمخرجة سعودية عن طفلة سعودية تتمنى أن يكون لديها دراجة تقودها و تلهو بها و لكن قيادة الدراجات ممنوعة على البنات في الشوارع، إلى هنا لا يمكننا الاعتراض،و لكن عندما نعرف أن الفتاة ليس لديها النقود الكافية لشراء الدراجة لذلك تضطر الطفلة إلى الدخول في حلقة تحفيظ القرآن فقط لأن جائز الحفظ مادية و الطفلة بحاجة النقود، بالإضافة إلى أن أم الفتاة مشغولة عنها في إقناع زوجها بعدم الزواج عليها!

- وهناك فيلم سعودي آخر عن فتاة تدعى أريج، و أريج هذه شابة سعودية يتيمة أرملة حامل، و أهل زوجها و تحديدا أخو الزوج يضطهدها و يطالبها بأنها تدفع الدين الذي على زوجها و إذا لم تفعل فأنه سيقوم بطردها من البيت الذي تسكن فيه، و مع سير الأحداث نجد أريج تبحث عن عمل و إذا بها تلتقي بشاب يمني مشرد!

- فيلم لبناني يحكي عن فتاة تتعرف على صبي زميل لها في الصف الدراسي و من ثم تبدأ الشائعات عنها و عن جرأتها على مصادقة ولد! و تجتمع العائلة لتدق ناقوس الخطر و لتقرر بأن البنت بحاجة لمزيد من التأديب و التربية من أجل سمعة العائلة!



 صحيح أن هناك الكثير من السلبيات في مجتمعاتنا، و لكن  الأفلام التي على تلك الشاكلة  ليست لها أي علاقة بمعالجة تلك السلبيات أو حتى بتتبع أسبابها، و إنما هي مجرد تسويق تجاري على طريقة "الجمهور عايز كده".... مجرد سباق يهدف إلى إثارة أقصى درجات القرف و الإشمئزاز لدى المشاهد الغربي، أي أن الغرض منها  ليس محاربة الظلم أو رفع الوعي أو المساهمة في تنوير المجتمع، و إنما مجرد الفوز بجائزة!




متى نرفع الأعلام و نردد الأناشيد ؟

رشــا المقالح


في صيف العام الماضي و تحديدا في شهر يونيو تم وضع شاشة عملاقة في ساحة فينيتسيا في العاصمة روما  و ذلك بمناسبة كأس العالم و من أجل مشاهدة الفريق الإيطالي الذي كان مشاركا في تلك البطولة. و في الرابع و العشرين من شهر يونيو كانت ايطاليا على موعد حاسم  مع الأورجوي في مباراة الدور الأول، و قد حضر جمهور غفير إلى الساحة، و حُمِل العلم الإيطالي بأحجام مختلفة كبيرة و صغيرة، كما ارتدى بعض الحضور قبعات بألوان العلم ، و عندما جاءت الفقرة التي ردد فيها الفريق الإيطالي النشيد الوطني قام جميع الحضور بتردد النشيد و إطلاق أدخنة ملونة بألوان العلم.  
                                                                                     
و لم يكن الحضور جميعهم إيطاليين، فقد كان هناك مقيمون أجانب و كان هناك سياح. و أتذكر أننا التقينا بأحد السياح القادمين من كندا و لاحظنا أنه يشجع المنتخب الإيطالي و يتحفز مع كل هجمة له و يشعر بخيبة أمل مع كل إخفاق. كانت الأجواء احتفالية رائعة رغم المنافسة المستعرة بين الفريقين و شعرنا بالحماس و البهجة. صحيح أن الفريق الإيطالي خسر المباراة و خرج مبكرا من كأس العالم، لكننا قضينا وقتا ممتعا على كل حال.
و عندما تابعنا خليجي 22 بعد ذلك و شاهدنا في الأخبار حجم الدعم الذي يلقاه المنتخب اليمني من جمهوره، و عن أعداد المشجعين اليمنيين الذين طاروا إلى الرياض لتشجيع المنتخب الوطني، و عن حجم العلم اليمني الذي قام الجمهور بحمله في الملعب، انتابنا الحماس و البهجة و على الرغم من خروج المنتخب الوطني من البطولة إلا أننا كنا نشعر بالفخر و بأنه قدم كل ما باستطاعته.

شعرت أن رفع العلم و استدعاء الوطنية أمر جميل في مناسبات كهذه، و لا يستدعي القلق كما يحدث أثناء الحروب و الصدامات بين دولتين أو قوميتين مختلفتين. و حتى في حالة الخسارة تظل هناك دائما ذكريات لذيذة لذلك الحدث.

و على الرغم من شعور الإنسان الفطري بالانتماء و الاعتزاز بالهوية، إلا أنني أجد أن رفع العلم الوطني و ترديد الأناشيد الوطنية بشكل متواصل على الفضائية اليمنية أمرا غير مقبول أبدا! فالعلم الوطني يرفع و الأناشيد الوطنية تردد في حالة المواجهة مع هوية أخرى سواء كانت تلك المواجهة ودية كما في حالة كرة القدم أو حربية كما يحدث في النزاعات بين الدول. أما عندما يرفع العلم الوطني في المواجهات الداخلية، فهذا لا يعني سوا أن رفعه هو المرحلة الأولى التي تسبق تمزيقه...






January 22, 2015

!الكنز الذي أضعناه

أنيس الباشا


أثناء التجوال في شوارع أوروبا، لابد أن تقابلني هذه الكلمة التي يعلقها كثيرون على واجهات المقاهي والمطاعم والبارات..  إنها كلمة "موكا"! حتى في السوبر ماركت لابد أن أجد أباريق خاصة بغلي القهوة مكتوبا عليها "موكا"... 

ليس لدي تفسير لماذا ينتابني شعورغريب بالفخرحين تقع عيناي على هذه الكلمة! نعم..رغم إنني لا أعد نفسي حتى من مدمني شرب القهوة لكني أشعر بمجرد قراءة كلمة موكا بنوع من الانتماء والاعتزاز، فنحن لسنا ذلك البلد التعيس الذي يوصف في وسائل الإعلام بأنه "أفقر بلدان المنطقة".. إن ميناء المخا العتيق الذي استوحت منه هذه الكلمة الشهيرة "موكا" هو ميناء يمني أصيل كان أول ميناء يتم من خلاله تصدير البن اليمني بآلاف الأطنان إلى مختلف أنحاء العالم وذلك بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر..واليوم يشير مصطلح «موكا كوفي» إلى أجود أنواع البن في العالم، لذلك تقوم المطاعم ومحلات شرب القهوة بتعليق هذا الاسم للدلالة على نوعية المنتج الذي يقدموه..

ومدفوعا بتلك المشاعر أجد نفسي اندفع لأسأل من حولي بفخر واضح "هل تعرفون أصل هذه الكلمة" وكم يصيبني الإحباط ويغمرني الأسى حين تكون الإجابة – دائما- بالنفي! ساعتها يتبخر كل ذلك الفخر الخفي الذي انتابني للحظات ! والذي يثير الغيظ أكثر أن كثيرا من الأوروبيين يعرفون "القات" ويسألون عنه وعن "أسطورته" في اليمن!! 

لقد حبانا الله بسلعة ثمينة يستهلكها العالم كله بشراهة وتمثل تجارة هذه السلعة نصف صادرات دولة مثل كولومبيا ثم لا نهتم بهذه الهبة ولا نسوقها ولا نصدرها!! لقد صدمت حين عرفت أنه من بين العشرين دولة الأعلى إنتاجا للبن لن تجد اسم اليمن!

 لا والأدهى والأمر أن المزارع اليمني  يقوم منذ عقود باقتلاع شجرة البن وغرس القات بدلا منها! طبعا فبزنس "المولعة" و"البحشام" أفضل وأضمن من شغل التصدير ومن تلك المصطلحات الرنانة مثل الناتج القومي والثروة القومية..الخ

كثير من اليمنيين – للأسف الشديد – يتبنون فكرة أن البلد في حقيقة الأمر فقير وتعيس ولذلك فإن غالبية الناس تعيش في فقر مدقع وبؤس شديد! نعم هذا صحيح بالنسبة للفقر والمعاناة التي لها أسباب عديدة ولكن هذا لا يعني أبدا أننا فقراء في الموارد.. بل على العكس بلدنا غني جدا بالموارد التي لم يُستغل أكثرها للأسف أو تم إهماله كما هو الحال مع موضوع البن.. ولذلك نجد الفقر منتشر في كل مكان ليس لأننا لا «نملك» ولكن لأننا لا «نستغل» ما نملكه بالفعل!

لو قامت الحكومة بالالتفات إلى هذا الجانب وتشجيعه وتطويره ورفع الوعي بشأنه وتقديم التسهيلات والارشادات والخدمات له لأصبحت صادرات البن فقط تدر علينا المليارات سنويا ولأمكننا أن ننافس عالميا في هذا المجال بل ربما نتفوق على الآخرين.. لكن الجميع فالح في التندم فقط أو عقد الاجتماعات وورش العمل المتنوعة وفي الأخير تطلع الصحف بعناوين كلها حسرة وألم على مستقبل البن اليمني ومصير هذه الثروة العظيمة التي تضيع ولا تستغل ولا أحد يسأل أو يتساءل حتى من المتسبب في هذا! و ما الذي تفعله "وزارة" كاملة مخصصة للزراعة إن كانت لا تملك أن تتبنى وتنفذ خطط طويلة وقصيرة الأجل لدعم واستغلال هذه الثروة القومية..

 وإلى أن يحين الوقت الذي نرى فيه البن اليمني يغزو الأسواق العالمية مجددا سأحاول من ناحيتي ألا أكون سلبيا، لذلك فلن أيأس أبدا وسأحكي حكاية قصة البن اليمني "موكا" لكل من أصادفه في بلاد المهجر وسأحاول جعلهم يفهمون أن البن اليمني أو "موكا" هو أفضل بن في العالم كله وأنه كنزنا الثمين الذي أضعناه لكن ربما نستعيده يوما ما!



...ذات مرة في اليمن

أنيس الباشا 


في ظل قتامة ورتابة وكآبة الوضع الحالي لبلادنا.. يحلو للمرء من حين لآخر أن يتذكر الأيام الخوالي حين كانت الحياة أكثر بساطة وأقل تعقيدا ولها طعم ولون ومذاق..وهي محاولة يائسة بالطبع أشبه بمن يجد نفسه وحيدا في صحراء جليدية مظلمة ويحاول أن يشعل عودا من الكبريت كي يدفئ نفسه!

سنتكلم اليوم عن تلك الفترة الرائعة في التاريخ القريب جدا لليمن التي يعرفها كل من حالفهم الحظ وعاشوا فترة ما في السبعينات والثمانينات إلى بداية التسعينات تقريبا من القرن الماضي...

في ذلك الوقت كانت اليمن مختلفة كثيرا عما هي عليه الآن..صحيح أنه لم تكن هناك تكنولوجيا متقدمة وإنترنت وفضائيات وموبايلات ..ولكن كان هناك عبق جميل وذوق سليم وأخلاق راقية وحياة بسيطة..

لم تكن هناك مئات الفضائيات المتخصصة والقنوات التي تذيع برامج أطفال على مدار اليوم ..لكن القناة الأرضية الوحيدة كانت تبث مسلسلات كرتون جميلة وهادفة ولمدة ساعة واحدة فقط ،و ينتظرها الأطفال جميعا بفارغ الصبر طوال اليوم بل ويتذكرونها إلى يومنا هذا...وفي المساء تتجمع الأسرة حول التلفاز لتشاهد إحدى المسلسلات المصرية الرائدة أيام كان الفن فن وبالطبع قبل هوجة المسلسلات المكسيكية والتركية والكورية التي تستنسخ نفسها وتستمر للأبد!.. كانت هذه القناة الواحدة تستطيع أن تجعل كل أفراد الأسرة يجتمعون حولها بينما فشلت فضائيات اليوم على اختلافها من أن تفعل الشيء نفسه!

في ذلك الوقت..لم يكن هناك "جوالات" و"آيفونات" و "آيبادات" لكن الناس كانت "تتواصل" بهدوء وعند الحاجة والضرورة، والخصوصيات محفوظة فلا تعقبات ولا ملاحقات ولا مضايقات وجمل من طراز " تلفونك مغلق منذ خمس دقائق ..خير؟"!

أيامها لم تكن هناك "حملات" أمنية مشددة كل يوم، ونقاط تفتيش في كل مكان ومع ذلك كانت نسبة الجريمة قليلة والناس تعرف بعضها بعضا وأبواب البيوت والدكاكين مفتوحة والشعور بالأمان موجود..

 في ذلك الزمن الجميل كانت الأسر في الحي الواحد تعتبر كأنها أسرة واحدة وكل بيت يعرف البيت الآخر والأطفال يتنقلون من هذا البيت إلى ذاك بدون أي حواجز أو محاذير.. كانت الناس والأسر تتعامل فيما بينها ببساطة وببراءة بدون نوايا خبيثة أو فاسدة.. لم يكن هناك هوس بالتلصص على الأعراض وهتكها وحتى أطفال ذلك الزمن كانت فيهم براءة ونقاوة لا نجدها في أطفال اليوم للأسف!
  
في تلك الفترة لم تكن حكومتنا تتسول من السعودية أو من غيرها ..ولم يكن حلم الشاب اليمني أن يبيع كل ما عنده ليشتري "فيزا" عبودية تتيح له أن يعمل في إحدى دول الخليج ..كان الاقتصاد المحلي يمشي بخطى خجولة لكنها ثابتة والعملة قوية واحتياطي النقد الأجنبي مرتفع والسواد الأعظم من الناس في سعة والطبقة المتوسطة هي الشريحة الأكبر في المجتمع..



حتى الفن أيامها كان أسمى وأرقى وأعذب ..وكنا نسمع الآنسي يشدو ب "وقف وودع" بينما يترنم السنيدار ب "ما بال الحب  يعذبني" وأبوبكر يلهب المشاعر ب "أمي اليمن" ...

أيضا أنواع الحلويات والشوكولاتة والعصائر والمرطبات لم تكن متنوعة و"مبهرجة" كما هي الآن.. لكن هل سيتهمني أحد بالمبالغة لو قلت أن كل هذه المنتجات كانت ذات مذاق أطيب آنذاك؟؟


في ذلك الزمن الجميل كان اليمني يشعر بالانتماء والاعتزاز سواء داخل بلده أو خارجه..كان لديه الشعور أنه أفضل من غيره وممن يحيطون به من مواطني الدول الخليجية بل وكان البعض يرفض أن يتجنس بجنسيات هذه الدول التي كان الحصول على جنسياتها سهلا آنذاك..ويملأ المشهد وجه الراحل الحمدي بقسماته الوسيمة الحازمة ونظراته الحنون الحالمة ولسان حاله يقول "هكذا أحب وطني وأحب فيه كل مواطن.. وكل مواطن هو أخي وحبيبي..وسعادتي أن أراه حرا سعيدا إنسانا منتجا قادرا وليس عالة على أحد"..


 في ذلك الوقت لم تكن المناطقية والطائفية والعصبيات منتشرة ومسيطرة كما هي الآن.. ولم يكن هناك خلاف وعداوة بين "سني" و "زيدي" ولا استهزاء وسخرية بين "دحابشة" و "براغلة" أو قتال وصراع لاحقا بين "شمالي" و "جنوبي"..
في ذلك الزمن لم تكن القبيلة بهذا الوجه القبيح والبشع الذي لا يبدر منه إلا التقطع والخطف والنهب والدمار وينشر الفوضى في كل مكان..

 في تلك الحقبة لم تكن هناك "محطة مأرب الغازية" لكن الكهرباء كانت متوافرة والبيوت خالية من "المواطير"! ولم يسمع الناس بمجنون قام برمي "خبطة" على خطوط نقل الكهرباء أو مجموعة مجهولة تقوم بتفجير أنابيب النفط!

في ذلك الزمن الجميل كانت الاسعار معقولة والتضخم طفيف جدا وأغلب الناس تستطيع أن تأكل اللحم وأن تشتري الملابس مرتين في السنة لأولادها..قارن هذا بحال اليمني اليوم الذي يحلم بأن يجد كهرباء وبترول يومه أو بحال الشباب الذين إن لم يتمكنوا من الحصول على "فيزا" يحاولون الهرب إلى "المملكة" وهناك إما أن يتم "حرقهم" في حفرة على الحدود أو "يطردوا" ويرحلوا بعد حياة كلها مهانة وهروب وقلق وفي الحالتين تظل النتيجة أرحم مما قد يلاقوه في بلدهم اليمن!




في ذلك الوقت كان لكل شيء طعم ولون ونكهة ولم تكن الحياة معقدة كما هي الآن.. وككل شيء جميل كان لابد له من نهاية..وكانت بداية النهاية هي اغتيال الحلم الجميل المتمثل في مشروع وطني حقيقي لا يجود الزمان بمثله مرتين اسمه الحمدي.. ثم تتابع الانحدار وانهارت الدعائم واحدة تلو الأخرى حتى وصلنا لهذا الزمن الرديء للغاية والمصيبة أنه يزداد قتامة و رداءة بمرور الأيام رغم كل التقدم والتطور الذي يشهده العالم من حولنا...


والسؤال الذي يحيرني دوما هو.. هل سيأتي يوم يتحسر فيه أبنائنا على هذه الأيام الرديئة التعيسة التي نعيشها حين يقارنوها بما سيعيشوه هم لاحقا..أم أن العكس هو الصحيح؟ وأن الزمن الجميل ربما يعود مرة أخرى؟


أتمنى أن تكون الإجابة بلا ..و لا أجرؤ على تخيل إجابة "نعم" لهكذا سؤال!!






  

الإنسان الغربي و الآلة

رشــا المقالح


هل جربتم استخدام الجوجل ماب من أجل الوصول إلى مكان تعرفون طريقة الوصول إليه، و لاحظتم المسارات التي يعطيها لكم ؟! ستكون النتيجة في أغلب الأحوال هي مسارات على طريقة "أين أذنك يا جحا؟!" و المكان الذي يستغرق الوصول إليه  7 دقائق سيرا على الأقدام، فباستخدام الجوجل ماب من الممكن أن يستغرق 15 دقيقة و ربما أكثر! و هذا شي طبيعي في حالة الآلة، لأنها تتعامل مع مسارات محددة و أسماء شوارع رئيسية أما الاختصارات و الشوارع الجانبية فهي من اختصاص العقل البشري.الطريف أن كثيرا من الناس و سائقي السيارات الخاصة و سائقي التاكسي في الغرب يعتمدون بشكل كبير جدا على الـ GPS !

يعتمد الإنسان الغربي في تسيير حياته اليومية بشكل كامل على شيئين:  الآلة و النظام. و في حالة حدوث خلل في الآلة أو خرق للنظام، يشعر الإنسان الغربي بالعجز و الشلل ، و قد يستغرق وقتا أطول من المعتاد من أجل الوصول إلى الحل، و هذا ليس ناتجا عن غباءه و إنما هو عبارة عن نتيجة طبيعية للاتكال الكلي على الآلة.  

و الآلة مهما وصلت براعتها و دقتها فلا يجب أن نستغني بها عن العقل البشري. صحيح أن التكنولوجيا شيء جميل جدا و هي قد جعلت حياتنا أسهل في بعض النواحي، و لكن هذا لا يعد مبررا للسماح لها بإلغاء عقولنا و التأثير على مستوى تفكيرنا...
  
أما النظام فمهما كان محكما فهو حتما معرض للخلل. أذكر أننا علقنا في مرة من المرات في الاوتوباص ما يقرب من الساعة، و السبب في ذلك أنه كانت هناك سيارة مركونة في مكان ممنوع الوقوف فيه و صاحبها غير متواجد (كما هو واضح في الصورة) و ذلك بالطبع يعد خرقا للنظام!  و عندما أراد سائق  الاوتوباص دخول ذلك الشارع لم يتمكن ، فتوقف في مكانه، و بدا الأمر بالنسبة إليه معضلة رهيبة حيث نزل من الباص و هو متوتر و عصبي المزاج مقلبا كفيه!




مع أن الحل بسيط! بإمكانه الرجوع للوراء قليلا و تعديل اتجاهه بعض الشيء و من ثم يمكنه العبور بسلام. و عندما نزلنا و سألناه عن الحل في رأيه قال أن الحل "الوحيد" هو  أن يأتي صاحب السيارة المركونة و يأخذ سيارته!!

  نزل معظم الركاب و تفرقوا من اليأس بينما قام السائق بالاتصال بشركة المواصلات على طريقة الأفلام الأمريكية we've got a situation !! 

و بقينا عالقينا ما يقارب الساعة إلى أن جاء الدعم من شركة المواصلات على هيئة موظف على ما يبدو أنه أكثر حنكة و خبرة. قام بمعاينة الوضع و مناقشته مع السائق ثم توصلوا إلى أن الحل الأنسب هو أن يعود السائق بالباص قليلا إلى الوراء ثم يدخل الشارع مرة أخرى بزاوية مناسبة!
الطريف أننا في اليمن مثلا لا يوجد لدينا تكنولوجيا و نظام مماثلين لما نراه في الغرب ، لذلك ظل الناس محتفظين بذكائهم الفطري. فقد لاحظت أن لدينا أطفالا في اليمن يعملون في الباصات العامة و في الدكاكين و غيرها و يمكنهم القيام بالعلميات الحسابية و التعامل مع عدد كبير من الزبائن في وقت واحد و دون الحاجة إلى آلة حاسبة!

و لكن هل استخدم اليمنيون هذا الذكاء في تحسين حياتهم و تطوير واقعهم أم أنهم تفرغوا للتنكيل ببعضهم البعض؟!  




لماذا يفشل المسلمون في تسويق أنفسهم بينما ينجح الآخرون؟

رشــا المقالح


زرتُ كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان أكثر من مرة، و تجولت فيها و التقطت العديد من الصور و لم يستوقفني احد رغم أني محجبة... هناك نقطة تفتيش واحدة فقط قبل الدخول إلى الكاتدرائية و المفترض أن يقوم الزائر بخلع الجاكت قبل المرور في جهاز التفتيش، و عندما جاء دوري قلت لهم "انا محجبة و لا استطيع خلع الجاكت!" فابتسموا لي ...و قالوا لي:" تفضلي!"..!

و الكاتدرائية مفتوحة للزيارة المجانية يوميا من الساعة السابعة صباحا و حتى السابعة مساءا! و يزورها ناس من كل الجنسيات و من كل الدول.....و الطاقم الذي يعمل في الداخل يتميز بأخلاق عالية و ترحيب مريح..

أما عندما زرنا جامع روما الكبير للمرة الأولى ذات مرة قبل صلاة المغرب، استوقفنا الحارس و سألنا عن سبب الزيارة"؟؟!!  أسرة مسلمة (هناك امرأة محجبة) و هذه الأسرة تدخل إلى الجامع قبل صلاة المغرب!بصراحة كان سؤالا لا معنى له...!


إدارة الجامع الكبير في روما تتم بطريقة روتينية للغاية و كأنه مصلحة حكومية و ليس معلما إسلاميا كبيرا...المفترض أن يكون المسلمين أكثر رغبة في تعريف الآخرين بحضارتهم و ثقافتهم ( و ليس عن طريق توزيع كتيبات و منشورات!!) و انما عن طريق التواصل الثقافي و الحضاري الحقيقي و الفاعل...

 جامع روما الكبير يعد أكبر جامع في أوروبا... و لكنه ليس مفتوحا للزيارة التلقائية في غير أوقات الصلاة... هناك مصلى صغير مفتوح للصلاة أما المصلى الكبير فيفتح يوم الجمعة و صلاة العيدين...
 أما الزيارات الثقافية فلا بد أن يسبقها اتصال أو إيميل و يتم تعبئة استمارة ما و غيرها و هناك أوقات محددة لمثل هذه الزيارات و قصيرة جدا !و في الأغلب تتم عن طريق المدارس و الجامعات و المؤسسات...

لدي صديقة ايطالية كانت سعيدة جدا عندما رأت الصور التي التقطتها للجامع الكبير من الداخل ، و شكرتني على مشاركة تلك الصور قائلة أنه لم يسبق لها رؤية جامع من الداخل! و عندما سألتها عن السبب، قالت :"ما أعرفه أنه ممنوع الدخول لغير المسلمين!" 

المسلمون ليسوا بحاجة إلى مثل هذه الآراء التي تسبب مزيدا من الانعزال و الانغلاق، بل على العكس تماما نحن بحاجة ماسة إلى التسامح و الانفتاح على الآخر...

التسويق الثقافي مثله مثل التسويق التجاري...فن له أصول و أدوات... و من يتقن هذا الفن ينجح في اكتساح السوق و جذب أنظار الجمهور محققا مبيعات أعلى، لا تقاس هنا بالمال و إنما بالسمعة الطيبة التي لا غنى عنها للتعايش.